حضور المناقشات العلمية الأكاديمية ضرورة لتنمية الذات
يقام بكل الجامعات بالكليات التابعة لها بشكل منتظم – حلقاتٌ نقاشية علمية، فيما يطلق عليه “سيمنار”، وهي حلقة نقاشية علمية في تخصص بعينه، يقيمه القسم العلمي في تلك الكلية، أو ذاك المعهد العلمي، وبالتأكيد يحضره طلاب الدراسات العليا المسجلون لدرجتَيِ الماجستير والدكتوراه، والأساتذة أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم؛ حيث يقوم أحد الطلاب بعرض لبحث أو دراسة، تمت بالفعل، ونُشِرت بإحدى المجلات، أو الدوريات العلمية، أو عرض خطة البحث التي سوف يُقْدِمُ على تنفيذها؛ وذلك لأخذ آراء ومقترحات الباحثين الآخرين، من خلال تقديمهم للنقد البنَّاء؛ لتعديل، أو إضافة، أو حذف، أي جزء من جزئيات الخطة البحثية، وتلك الحلقة مفيدة جدًّا للدارسين والباحثين، ولكني لن أخوض كثيرًا في تلك النقطة؛ لأنها شبه مغلقة على تلك الأكاديمية العلمية التي يُنَظَّم فيها هذا اللقاء العلمي، الذي إما أن يكون بشكل أسبوعي، أو بشكل شهري، ولكن ما سوف أستفيض فيه خلال السطور القادمة هو مسألة حضور عامة الناس، وعلى كافة المستويات الثقافية والفكرية للمناقشات العلمية العلنية، لرسائل وأطروحات الماجستير والدكتوراه، والتي تقام مع كثرة أعداد الكليات بالجامعات وكثرة أعداد طلاب الدراسات العليا المسجلين للحصول على الدرجات العلمية، فلا تخلو جامعة الآن من وجود مناقشة أو أكثر، كل يوم في أحد الأقسام العلمية بكلياتها المتعددة.
كانت مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي بكل الجامعات المصرية مغلقةً؛ أي: ليست علنية، فقط يتم وضع إعلان في لوحات الإعلانات بالكلية وبالقسم العلمي، وتحضر لجنة المناقشة والحكم على الرسالة، وتجتمع في إحدى غرف القسم العلمي، أو على سبيل المثال: في حجرة أحد الأساتذة المشرفين على الطالب/ة، أو حجرة رئيس القسم، أو مقر اجتماعات مجلس الكلية، ويُغلَق الباب على اللجنة والطالب، ولا يُسمَح بحضور أي شخص، ولا قريب، ولا حبيب، ولا صديق، وبعد مدة طالت أو قصرت، خمس دقائق، أو حتى خمس ساعات، ثم يُفتَح الباب، ويُعْلَن حصول الباحث على الدرجة العلمية، وينتهي الأمر على ذلك.
أما في السنوات الماضية، وإلى الآن، فغيَّرت الجامعات لوائح الدراسات العليا، وأصبح من الضروري إقامة المناقشات العلمية بصورة علنية، ويتم دعوة الجمهور، والباحثين، والمتخصصين، وغير المتخصصين لحضورها، ويتم الإعلان عن موعدها قبلها بِعِدَّةِ أيام؛ بحيث يتم وضْعُ إعلانٍ موضَّحٍ فيه اسمُ الجامعة، والكلية، والقسم العلمي، وعنوان الرسالة العلمية، واسم الباحث/ة، وأسماء لجنتي الإشراف والحكم والمناقشة، وكتابة مناصبهم وألقابهم العلمية، أمام اسم كل واحد منهم.
وهناك الكثير من الكليات لها مواقع على الإنترنت، وبها باب للأخبار، يمكن للجميع الاطلاع عليها، خاصة وقد أصبح استخدام الشبكة العنكبوتية سهلاً ويسيرًا للكثير من الناس، بعد استخدام تطبيقات الإنترنت للتواصل، والاتصالات الدولية، فأصبح الإنترنت في أيدي الجميع وممسكًا به في يده من خلال التليفون المحمول، فبدلاً من الجلوس على المقاهي، أو أمام شاشات التليفزيون، وتقليب الريموت كنترول على الفضائيات، أدعو الجميع للتوجه لقاعات المناقشات والمؤتمرات العلمية بالكليات والمعاهد العلمية، التي أصبحت منتشرة في كل المدن الكبرى، لحضور هذه المناقشة العلمية بشكل مجاني متاح؛ لكي يتعرف على أشخاص آخرين، من المؤكد أنه لم يلتق بهم من قبل، ومن الجائز أنه لن يراهم مرة أخرى، وسوف يستمع لأساتذة وعلماء كبار في مجال تخصصهم، ويتعرف على الجديد الذي توصَّل إليه الباحث صاحب الرسالة العلمية، ويكتسب خبرة الأجواء العلمية، ويمكن للحضور تسجيل ما لفت نظرهم أو انتباههم في هذا اللقاء العلمي في دفتر صغير يحملونه في جيوبهم، بل والتقاط صورة لمنصة المناقشة، ونقل هذا لعالم الصحافة والإعلام، والمدونات، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكتابة أهم ما اكتسبه من معلومات، ومعرفة جديدة، للأصدقاء وجميع البشر، من خلال الإنترنت؛ فالجميع الآن يتلهف على حضور ندوات ووِرَش العمل في مجالات وعلوم التنمية البشرية، بل ويحجز قبلها بأيام وأسابيع مقعدًا، ويدفع عشرات بل مئات الجنيهات، نظير هذه المحاضرة، أو تلك الدورة التدريبية، في المقابل أمامه بشكل شبه يومي مناقشة أو أكثر في كلية أو أكثر من كليات الجامعة الموجودة في مدينته أو محافظته، فلو عَدَدْنا فوائد حضور تلك الجلسات العلمية، لاحتجنا إلى عدة صفحات لسردها، ولكن يمكن إيجازها في النقاط التالية:
معرفة أناس جدد خارج الإطار الشخصي والاجتماعي للإنسان.
اكتساب الكثير من المعلومات والمعارف العلمية، سواء القديمة أو الجديدة في مجال تخصص البحث المناقَش.
اكتساب العديد من الخبرات النظرية والعملية والعلمية.
التعرف على عالَم البحث العلمي والدراسات العليا والبحوث.
يمكن لأي شخص محب للعلم والمعرفة، أن يذهب لحضور هذه المناقشات بقلب عاشق، وعقل مفتوح ومتفتح، وعين مفكر، ومع تكرار الحضور وتسجيل كل ما سمعه ورآه يتحول هذا الشخص إلى محرر صحفي علمي محترف، ومراسل علمي للصحف والمجلات المحلية والدولية.
التشجيع على حب العلم والتعلم، ومواصلة التعليم حتى آخر دقيقة في حياة الإنسان.
الحث على القراءة، والاطلاع، والبحث، في معلومة سمعها جذبت انتباهه.
التعرف على الأقسام العلمية، والتخصصات الدقيقة من العلوم، بل والأكثر دقة، سواء أكانت الكلية علمية أو أدبية.
معرفة برتوكول وترتيب المناقشة العلمية، وكيفية إدارة الجلسات العلمية، وطريقة عرض الباحث/ة لنتائج بحثه، وأهم ما توصل إليه، وكيفية تطبيق تلك التوصيات.
يقوم البحث العلمي خاصة التطبيقي منه، على حل مشكلة من المشكلات التي تواجه شريحة معينة من المجتمع، أو قطاعًا من القطاعات الاقتصادية، أو لتطوير الحياة السياسية، أو الاجتماعية، التي تظهر بالمجتمع المحلي، أو الإقليمي، أو الإنساني، وبالتالي سوف يتعرف الحاضرون على ماهية المشكلة، والطرق المختلفة لحلها، والتعامل معها، وأهم أو أفضل الوسائل التي توصَّل إليها الباحث لمعالجتها، وما هي النقاط التي يُوصي بها الباحث لدراستها من قِبَل الباحثين والدارسين في المستقبل، بعد ما انتهى من دراسته الحالية.
سيظل العنصر البشري، واللقاء وجهًا لوجه، إحدى الوسائل التي لا غِنى عنها، مهما تطورت وسائل وطرق الاتصال والتواصل بين البشر في اكتساب المعرفة والتعليم والتعلم، فمع انتشار الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية الافتراضية، وقاعة المناقشات، والندوات العلمية الافتراضية، والتعليم غير المتزامن والمتزامن عن بُعد، إلا أنه ستظل الجامعات التقليدية، وعلاقة الأستاذ بالطالب، وعلاقة الأستاذ بالمجتمع، وعلاقة الباحث بالمجتمع، كما هي، بشكل تقليدي كلاسيكي، وبالاتصال المباشر.
تعظيم الاستفادة من دَور الجامعة في خدمة المجتمع، وتنمية البيئة المحلية.
ملء قاعات المناقشات بالكليات، بدلاً من تركها فارغة إلا إذا كان الباحث دعا أو اصطحب جمعًا كبيرًا من الأصدقاء والمعارف والأقارب والجيران لحضور مناقشة الرسالة، فبوجود أعداد كبيرة داخل قاعة المناقشات تكتمل الصورة، ويتحقق الهدف من علانية الحدث، ويخرج من القاعة عددٌ كبير بعدة معلومات جديدة، ينقلونها للناس والشارع، وعليه يحدث التطور التراكمي التدريجي للذات البشرية.