( الابتزاز العاطفي, الفوضى العاطفية , التجارة بالمشاعر والوجدان ) ، فقد صارت متداولة على الألسنة ، وتألفها مسامعنا ولا نستغربها , مما يدلُّ على ما يمكن أن يسمى بالفوضى النفسية التي يعيشها كثير من البشر ، في جميع أنحاء العالم ، ويُجلِّي حالات من الخداع وزيف المشاعر ، على مستويات متعددة سواء كانت الشخصية ، أو التعاملات المتعدِّدَةِ في نواحي وأنشطة الحياة المتنوعة , وأصبح من يجيد طرق المراوغة الوجدانية ، من المتميزين في نظر البعض , وهذا منتشر بين المراهقين بكثرة ,وبعض الراشدين , حيث يرتبط الإنسان بالحياة ويستمتع بها نتيجة مجموعة من الأحبال والروابط النفسية الوثيقة ، التي تربطه بالحياة ,ومنها الرابط الاجتماعي والعمل والأسرة , والأصدقاء .. إلخ.
والرابط الوجداني هو الذي يعطى معنى للحياة وأهمية نفسية كبيرة، فاذا كان مفتقدًا أو مزيَّفًا أو مخادعًا أصيب الفرد بالصدمة، وفقدان أحد أهم معاني بهجة الحياة، ومن ثمَّ تستمر معاناته فيها لفترات طويلة، وكلما كانت الأحبال والأربطة قوية ودائمة التجدد، كلما زادت البهجة في الحياة، واستقر التوافق معها، وهذا ما يسمى بنظرية (الأحبال النفسية في الحياة).
إن الحديثَ عن الحب والوجدان يحتل خصوصيةً مؤثرة عند كل أفراد ومُجتمعات العالم، لما يمثله كأحد مُرتكزات كينونة الذات، وقيمتها الشخصية ووجودها، فالحب هو معنى الحياة وسرُّ تناغمها، فكيف يأتي الحب وكيف يحدث؟
نستطيع أن نقول: إنه أمرٌ لا يزالُ غامضًا ومبهمًا إلى حدٍّ كبير. ومن ثَمَّ يوجد ما يسمى بالحب العاطفي: وهو يتضمن مشاعر الاستثارة الشديدة والانجذاب والتعاطف والدافع القوى نحو الطرف الآخر، وهو قصير المدى ويتراوح ما بين (6-30) شهرًا، وهو حبٌّ يكون من طرف واحد، غير ذلك الحب المتبادل بين الطرفين، وغالبا، ما يؤدى إلى مشاعر اليأس والإحباط. وهناك نوع آخر يسمى الحب الحقيقي: وتكون فيه مشاعر التعلق والاحترام والثقة والمودة والالتزام بين الطرفين وهو حبٌّ تبادليٌّ، ويتميَّز بالاستدامة لفتراتٍ طويلة، ويتميَّزُ بالمشاعر الصادقة من الابتهاج والرضا. ولو نظرنا إلى العوامل التي قد تؤثر في حدوث الحب المتبادل، وغير المتبادل سنجدُ (ثلاثة) عناصر أساسية وهي:
العنصر الأول:
التوقيت، ما هو الوقت المناسب والظروف النفسية الصحية التي يكون فيها كلا الطرفين مستعدًا للوصول إلى هذه الحالة الوجدانية؟ إن نوعية هذه الظروف تؤدى في بعض الأحيان إلى وجود رابطةٍ عاطفية غير حقيقية، يعتبرها البعض حبًّا، ويكتشف في النهاية أنَّها إعجابٌ أو موقفٌ نبيلٌ فقط.
العنصر الثاني:
وهو التشابه: إذ يميل الشخص إلى الوقوع في حب شخص مشابهه له، فما هي أوجه التشابه والاختلاف بينك وبين الآخر.
العنصر الثالث:
التعلق المبكر، كلما كان التعلق مع الانسجام شديدًا بين الطرفين. كلما كانت العلاقة عميقة وطويلة الأمد، أمَّا الذين يتردَّون في مشاعرهم فالعلاقة بينهم مصيرها الفشل الذريع.
وعلى ذلك يمكن تصنيف الحب إلى أشكالٍ خمسةٍ:
الشكل الأول الحب الرومانسي:
وفيه يحدث الحب بين الطرفين نتيجة حب الجانب المثالي في الشخص من الناحية الجسدية والعاطفية .
الشكل الثاني الحب اللعوب:
وفيه يعتبر الفردُ الحبَّ لعبةً أو مسابقة ويتخذه فرصةً لإثبات ذاته وقوته أمام الآخرين، مفاخرًا بأنَّه استطاع ان يُوقع الطرف الآخر في حبِّه.
الشكل الثالث حب الهوس والاستحواذ:
وهو مزيج من الحبِّ (الرومانسي +اللعوب) ويتميز بالاستحواذ على الفرد الآخر والانفعالات الشديدة عليه، والغيرة، ومشاعر التملك والسيطرة المرضية على الطرف الآخر.
الشكل الرابع حب المصلحة :
وهو مزيج من حب (اللعوب+ تكوين الأسرة) وفي يسعى الفرد المحبُّ إلى للوصول إلى هدفه النهائي الذى وضعه في بداية العلاقة من الناحية العملية والمنفعة واستمرار منفعته من هذه العلاقة مع استمرارية تكوين أسرة وامتداها والحفاظ على هذا الهيكل الأسري لأن في استمرار الشكل الأسري استمرارٌ للحصول على مزيد من المنفعة.
الشكل الخامس حبٌّ خالٍ من الأنانية:
وهو يتمثل في مزيجٍ من الحب (الرومانسي + تكوين الأسرة) ويتميز بالاحتواء والإيثار والرضا الوجداني والاستمرارية.
– وللحالة الوجدانية والحب تصنيف آخر ومهم وهو يتكون من سبع حالات للحب يمكن قياسهما وفق ثلاثة معايير أساسية:
1) الألفة :وهي الشعور بالحب تجاه الشخص الآخر، وإيصال رغباتك الخاصة ومشاعرك ومعتقداتك إليه والاندماج معه، ودعمه ومشاركته مشاعره.
2) الشغف – الاهتمام:
الاعتناء والاهتمام والشعور باللهفة والانجذاب، واستمرارية المتابعة والسؤال عن الطرف الآخر وتقدير احتياجاته والعمل على إسعاده.
3) الالتزام الارتباط :
وهو حاجة الفرد أن يكون برفقة الشخص الآخر ويقبله ويتواصل معه بدنِيًّا، والرغبة في الحفاظ عليه, والبقاء معه في علاقة طويلة .
وطبقا لهذه المعايير يمكن تقسيم الحب إلى سبعة أنواع وهى:
أولًا الصداقة أو الإعجاب
وهذا النوع يكون فيها معيار (الألفة + الالتزام) والتقارب والارتباط قويًّا ,أما (الشغف ) فيكون ضعيفًا .
ثانيًا الافتتان‐ العشق:
يكون فيه معيار (الشغف) قويًّا, أما معيار(الألفة + الالتزام) ضعيفًا , وهذا هو شعور الفرد عندما يقع فى الحب من النظرة الأولى.
النوع الثالث الحب الفارغ :
يكون فيه معيار (الالتزام) قويًّا بين الطرفين ويكون معيار (الألفة + الشغف) ضعيفًا.
النوع الرابع الحب الرومانسي
يكون فيه معيار (الألفة +الشغف) والارتباط العاطفي قويًّا، ولكنه يخلو من معيار ( الالتزام).
النوع الخامس الحب الرحيم
وفيه يكون معيار (الألفة + الالتزام) قويًّا، ويخلو من معيار (الشغف) أو يكون به شغفٌ ولكنه زال أو ضَعُفَ، لكنه لا يزال يحتوي على التزام شديد، وعاطفة عميقة بين الطرفين. ويوجد بين أفراد الأسرة، والأصدقاء المقربين وقد يوجد بين بعض الأزواج.
النوع السادس الحب السخيف
يوجد به معيار (الشغف+ الالتزام) قويًّا ويفتقر إلى معيار (الألفة) وهذا يوجد في الزواج القصير أو المندفع.
النوع السابع الحب المتكامل:
وهو الصورة النموذجية للحب حيث يشتمل على معيار (الألفة والشغف والالتزام) معًا, وقد لا يستمر طويلا بمجرد الوصول إلى تفعيل العناصر الثلاثة معا , ولاستمراره لابد من وجود الشغف المستمر حتى لا يتحول إلى الحب الرحيم .
من هنا يمكننا أن نقوم بوصف حالة الحب التي يمر بها كل فرد وتشخيصها، وتحديد مدى تصنيفها في أي نوعٍ تكون، وبالتالي تحديد المكونات الناقصة فيه وتحسينها، وما يجب تجنبه لإيجاد علاقة وجدانية سعيدة والتخلص من فوضى المشاعر الحالية.