الإصغاء الفعّال: مفتاح الصحة النفسية الأسرية وسر تماسك العائلة
هل تشعر أحيانًا وكأن جدرانًا صامتة تفصل بينك وبين أفراد عائلتك؟
هل تمر بلحظات يبدو فيها الحديث اليومي خاليًا من الفهم والتقارب؟
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتكثر فيه الضغوط، قد نغفل عن واحدة من أهم مهارات بناء الأسرة المتماسكة: الإصغاء الفعّال.
تقول الدكتورة إيمان أبو المحاسن، المتخصصة في الإرشاد الأسري:
“لا توجد صحة نفسية حقيقية لأسرة لا يتمتع رب الأسرة فيها بقدرة حقيقية على الإصغاء.”
تعبير بسيط يحمل في طياته جوهرًا عميقًا: فالإصغاء ليس مجرد سماع، بل هو فن ومهارة تؤسس لصحة نفسية متينة وروابط عائلية لا تهتز.
قصة أحمد: عندما تغيب آذان الإصغاء
في مقالها “الأسر السعيدة: مفاتيح التواصل الدافئ”، تروي د. إيمان قصة “عائلة أحمد”. كان أحمد أبًا محبًا يعمل بجد، لكنه دائم الانشغال.
لم يكن يلتفت كثيرًا لكلمات زوجته ليلى، التي طالما سعت لمشاركته همومها.
كذلك أطفاله، الذين سرعان ما تعلموا أن محاولاتهم للحديث معه غالبًا ما تُقابل بالتجاهل أو التوتر.
بمرور الوقت، توقف الابن الأكبر عن سرد يومياته، وبدأت الابنة الصغرى تُظهر ضيقها بسلوكيات غير مرغوبة.
تراكم الإهمال العاطفي خلق جوًا مشحونًا، وانعكس ذلك على الصحة النفسية لجميع أفراد الأسرة.
هذه القصة ليست استثناءً، بل نموذجًا متكررًا في العديد من البيوت التي تفتقر إلى الإصغاء الحقيقي.
لماذا يُعد الإصغاء الفعّال ضرورة لقائد الأسرة؟
القيادة الأسرية الواعية لا تبدأ بالأوامر أو التوجيه، بل بـ الإنصات بتقدير.
عندما يُحسن رب الأسرة الإصغاء، يشعر الجميع بالأمان والانتماء، مما يعزز النمو العاطفي، ويُسهم في بناء شخصية متزنة لدى الأطفال.
أبرز فوائد الإصغاء الفعال في الأسرة:
خلق مناخ من الاحتواء النفسي.
ترسيخ الثقة بين أفراد الأسرة.
الحد من سوء الفهم والمشاحنات.
تقوية العلاقات العاطفية والارتباط الأسري.
دعم التربية الواعية وتحفيز الحوار البنّاء.
عواقب غياب الإصغاء: جروح صامتة لا تُرى
تُظهر التجارب الأسرية أن تجاهل مشاعر الآخرين وعدم الإصغاء إليهم يؤدي إلى نتائج مؤلمة، منها:
تآكل الثقة: شعور أفراد الأسرة بأن مشاعرهم لا تُقدّر.
تدهور التواصل: عزوف عن المشاركة خوفًا من الإهمال أو السخرية.
تراكم الانفعالات السلبية: مثل الغضب والانعزال والانفجار المفاجئ.
ضعف الروابط الأسرية: غياب لغة التفاهم يؤدي إلى جمود المشاعر.
صعوبة حل النزاعات: دون فهم وجهة النظر الأخرى، يصعب الوصول إلى حلول عادلة.
تأثير نفسي سلبي على الأبناء: تدني احترام الذات، صعوبات في التعبير، ومشاكل في العلاقات الاجتماعية لاحقًا.
مهارات الإصغاء الفعال: كيف تُصبح مستمعًا عائليًا ماهرًا؟
الإصغاء الفعّال ليس مهارة فطرية فحسب، بل مهارة مكتسبة تحتاج إلى تمرين واستمرارية.
إليك أهم عناصرها:
الانتباه الكامل: كن حاضرًا بجسدك وعقلك.
التركيز على المحتوى والمشاعر: لاحظ نبرة الصوت، لغة الجسد، والسياق العاطفي.
التفهم والتعاطف: افهم مشاعر المتحدث حتى لو اختلفت معه.
إظهار الاستجابة المناسبة: استخدم تعبيرات الوجه، أو كلمات توضح تفهمك لما يُقال.
تقنيات عملية لتحسين مهارة الإصغاء داخل الأسرة
يمكن لقائد الأسرة تعزيز قدراته في الإصغاء عبر أدوات بسيطة لكنها فعالة:
التواصل البصري: النظر في عين المتحدث يشعره بالاهتمام.
الاستماع النشط: إيماءات، كلمات تشجيعية، وتفاعل غير لفظي.
تجنب المقاطعة: دَع الطرف الآخر يُكمل فكرته حتى النهاية.
طرح الأسئلة المفتوحة: مثل: “كيف شعرتِ عندما حصل ذلك؟”
تلخيص الكلام: “إذا فهمت صح، فأنتِ تقولين إن”
إظهار التعاطف بصدق: “أقدّر شعورك لابد أن ذلك كان صعبًا.”
خطوات نحو أسرة متماسكة: كيف تبدأ؟
خصص وقتًا يوميًا للحوار العائلي دون مشتتات.
درّب نفسك على الاستماع قبل الرد.
حفّز أفراد الأسرة على التعبير عن أنفسهم دون خوف.
احتفِ بالمشاعر حتى لو كانت سلبية: الاعتراف بها هو البداية الصحيحة لفهمها.
ارشاد الصحة النفسيةخلاصة: الإصغاء هو بداية التغيير
في عالم مليء بالضجيج، تصبح القدرة على الإصغاء الفعّال هبة حقيقية وضرورة حياتية.
هو أكثر من مجرد مهارة تواصل؛ إنه لغة محبة، ورسالة احترام، وجسرٌ نحو قلوب أحبّائنا.
إذا أردت بناء أسرة متماسكة نفسيًا وعاطفيًا، فابدأ بالإصغاء.
فربما كل ما يحتاجه أحد أفراد أسرتك الآن هو أذن تُنصت بقلب.
هل ترغب في تعلّم المزيد حول مهارات الإرشاد الأسري والتواصل الفعّال؟
تابع برنامجنا التدريبي حول الارشاد التكاملي
واكتشف كيف يمكن لبضع خطوات أن تحدث تغييرًا كبيرًا في حياتك الأسرية.مع تحياتي
د.ايمان ابو المحاسن
للمزيد من المقالات اضغط هنا
د.ايمان ابو المحاسن
للمزيد من المقالات اضغط هنا
