agricultural folklore

التراث الشعبي الزراعي

بقصة “للعمل فطنة” للكاتب د. طارق أبو الخير.. علم نفس البستنة

نشرت القصة القصيرة ) للعمل فطنة) بقلم الكاتب د. طارق أبو الخير، بموقع الألوكة؛ تاريخ الإضافة 3/4/2022 ميلادي – 2/9/1443 هجري، وهي تعد من قصص السير الذاتية، فتعد مشهدًا أو لمحة من يوميات طبيب أمسَك بها ورسمَها لنا بشكل سردي، مزج فيها بين تنسيق الحدائق والتراث الشعبي المصري الخاص بالعمل بالزراعة وفنونها.

تدور أحداث القصة في إحدى أيام الجمعة بشهر أمشير (حضر أمشير هذا العام برياحه وأمطاره، وفي يوم الجمعة الذي أمَلُّ فيه من أوضاع الرقاد والجلوس كعادتي لأفعل ما يحتاجه بيتي من (فعل الرجال))، وهو من شهور القبطية المصرية التي يهتم بها الفلاح والمزارع المصري في تحديد موسم وفصول وأعمال الزراعة منذ آلاف السنين، وبما أن القصة التي نحن بصددها نشرت في العام الميلادي 2022، فيصبح شهر أمشير المقصود في العام 1738 قبضية (ق)؛ ولأن الفلاح المصري معروف بفصاحته (الفلاح الفصيح)، فكان يوثِّق العمليات الزراعية بحكم وأمثال شعبية تحفَظها وتتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيلٍ، لتسهيل حفظها في الأذهان، وقد ذكر المؤلف هنا مثلين الأول عن الزراعة وشهر أمشير، (مستندًا لعدة أمثال شعبية؛ منها: “أمشير يساوي الطويل بالقصير”؛ يعني: الزرع).

أما المثل الثاني، فجاء في نهاية القصة بعد أن فشِل البطل في إنهاء المهمة على النحو المطلوب، (وأيقنت أن المثل الشعبي الذي يقول: (دَعِ العيش لخبازه، حتى وإن أكل نصفه)، هو الأصدق).

وكان مسرح القصة هي حديقة منزل طبيب الأطفال الجديد، لتنسيق وإعادة ترتيب وضعية النخيل بها؛ حيث تقمص شخصية المزارع الجنايني منسق الحدائق، (خطر ببالي أن أنقل إحدى الشجيرات التي نمت حديثًا، أحضرت أدوات الزراعة، جلست على كرسي قصير وبيدي تلك الآلة الحادة لأحفر بها حول جذر تلك الشجرة بعشرة سنتيمترات على أقل تقدير، حاولتْ تلك الآلة الحادة قطع أي جذور قد امتدت لتلك النبتة؛ حتى يتم اقتلاعها بما حولها من بعض الطين الذي يأوي جذورًا صغيرة، قد تمتد لاحقًا في تربتها الجديدة).

غالبًا ما تُستخدم الابتسامة كقناع لإخفاء الكثير من المشاعر والأفكار، لكنها في هذه الأحيان تكون ابتسامة غير حقيقية، ولا تتعدَّى انثناء الشفتين للأعلى، وهنا بالقصة ذكر المؤلف على لسان البطل الراوي ابتسامة زميله الطبيب الجراح الذي مرَّ عليه أثناء محاولته نقل إحدى شجيرات حديقته: (وبينما أنا منهمك في عملي، مرَّ عليَّ أحد أصدقائي الجراحين ليبتسم مستنكرًا ما أفعله، فعملي هذا لا يَمُت بصلة لطب الأطفال (تخصصي)، بينما قد يبرع فيه جراح كمثله، وبالرغم من أني تمنيت أن يشاركني عملي، لكنه استأثر بعلم الجراحة لنفسه، وتركني دون حتى أن يشرب ذلك الشاي المعد خصوصًا من أم أولادي؛ كنوع من الدعم لما أفعله)، الابتسامة المصطنعة لا تعني بالضرورة أن الشخص الذي أمامك يكيد لك أمرًا ما، لكن قد تكون إشارة إلى أن هناك أمرًا آخر يقلقه، ويشغله أثناء الحديث؛ مما يدفعه لمجاملتك على هذا النحو دون وعي منه.

تعتبر أعمال البستنة من النشاطات البدنية المفيدة للغاية؛ إذ إن مهامها مثل إزالة الأعشاب الضارة والتقليم والري تُعد بمثابة تمرين رياضي من شأنه أن ينعكس إيجابيًّا على صحة قلبك وعظامك وعضلاتك، ويوصي الخبراء بما لا يقل عن 150 دقيقة (أي ساعتين ونصف) أسبوعيًّا من التمارين متوسطة الشدة، من أجل التمتع بالصحة واللياقة المثالية، الهدف الذي يساعدك الاهتمام بحديقتك على تحقيقه، وبالفعل هذا ما فعَله بطلُ قصتنا طبيب الأطفال، فقد قضى عدة ساعات في أعمال البستنة، )واصلت العمل بقطع الجذور بعناية، محافظًا على التربة الطينية حول منبت الشجرة، ومشروب الشاي يليه القهوة مع بعض المأكولات، والدعوات لي بالتوفيق من أولادي، مرت الساعات حتى أتت تلك اللحظة التي أرفع فيها الشجرة، بعدما أنهيت كل جذورها العالقة).

كشفت دراسات دور البستنة في التخفيف من التوتر والمساعدة على الاسترخاء؛ إذ إن أعمال الحديقة أو أي هواية مشابهة، توفر منفذًا صحيًّا لتخفيف حدة التوتر، ويعد قضاء الوقت خارجًا للاعتناء بالحديقة نشاطًا ممتعًا يُمكن أن يساعدك على تخفيف الضغط وإعادة “شحن بطارياتك”، بالطبع يُعد عمل الطبيب طوال أيام الأسبوع مليئًا بالضغوط النفسية بسبب القلق والتوتر المستمر، لذا فهو يحتاج لقضاء أوقات الاجازة الأسبوعية بشكل يخفف من تلك الضغوط، (وفي يوم الجمعة الذي أمَلُّ فيه من أوضاع الرقاد والجلوس كعادتي لأفعل ما يحتاجه بيتي من (فعل الرجال)؛ كنجارة باب لحظيرة، أو إصلاح مقبض باب حجرة، أو تغيير صنبور مياه يتكاثر منه التنقيط، أو التسلق لتغيير مصباح قد احترق).

ووفقًا لموقع صحيفة (الغارديان) البريطانية، فقد بدأت بالفعل عيادات بريطانية مثل عيادة كورنبروك الطبية في هولم مانشستر بوصف البستنة للأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب؛ إذ يتم إعطاء المرضى نباتات للعناية بها؛ حيث يتم زراعتها لاحقًا في حديقة عامة محددة؛ حيث يمكنهم المشاركة في نشاط مع الآخرين، وتقوية الروابط الاجتماعية، وهنا بطل قصتنا الطبيب ليس مريضًا ولكنه مجهد نفسيًّا من ضغط العمل، ويشعر بالراحة النفسية عندما يقضي يوم إجازته الأسبوعية في بيته ووسط أولاده، (هنا اختلطت مشاعرُ الندم والحسرة بقليل من مشاعر الحنين للطفولة واللعب بالطين).

إن البستنة تخفف التوتر بشكلٍ ملحوظ، وتُساعد في تحسين المزاج حتى أكثر من المطالعة، بحسب ما نشره موقع عيادة (باتون روج) الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية.

بقلم

محمود سلامه الهايشه

لقراءة المزيد من المقالات اضغط هنا