إذا كنت تحرص على دوام حبك، فلا تحاول ان تقتحم هذه الارض الحرام التي بينك وبين من تحب. حتى لا يموت الحب؟ لا تحاول ان تهتك ستره. لا تحاول ان تفتح دماغه او تدخل قلبه.
ولهذا قال الله {{ولا تجسسوا}},لأن الله اراد لكل واحد منا ان تكون له خصوصية لا تنتهك سر بينه وبين ربه لا يطلع عليه الا ربه.
ولكل منا وجه الى الناس، ووجه الى الله. وذلك الوجه الثاني هو سره.
وانتهاك هذا الوجه عدوان، وطمع من الحبيب فيما ليس له.
ولهذا اشعر دائما بأن من يحاول ان يقتحم المسافة بيني وبينه باسم الحب. إنما يفعل ذلك باسم الكراهية وليس الحب.
فهو يريد ان يلتقط لي صورة في التواليت، ويسجل على الوساوس التي لا تليق بي. ويحاول ان يفضحني.
وذلك هو الحب الاناني الذي يريد في واقع الامر ان يتخلص مني، ويستهلكني ويستنفذني ويقضي علي.
وتلك هي القسوة المقنعة التي نتبادلها باسم الحب.. والعدوان الذي نباشره باسم العشق.
ولهذا ضرب الله لنا مثلا على الكمال باسمه ((العزيز)) فهو سبحانه العزيز الذي لا ينال.
وعلى من يريد ان يكون كاملا ان يكون هو الآخر عزيزا لا ينال.
فالعزة والمنعة من صفات الكمال.
والشيوع والانكشاف من صفات الابتذال.
ومن هنا وجب ان تكون هناك مسافة بين الاحباء، وان يكون الحب قربا وليس اقتحاما.
وتلك المسافة هي التي اسميها الاحترام.. حيث يحترم كل واحد سر الاخر، فلا يحاول ان يتجسس عليه.. ويحترم ماضيه.. ويحترم ما يخفيه في جوانحه، ويحترم خصوصيته وخلوته وصمته، ويحاول ان يكون سترا وغطاء، لا هتكا وتدخلا وتلصصا ونشلا.
فالحب عطاء اختياري حر، وليس مصادرة قهرية وسلبا واغتصابا.
وفي هذه الحرية جوهر الحب.
والله يقول عن عطاء الاسرار والعلم الذي يعطيه لعبيده: ((ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)) {٢٥٥- البقرة}
وتلك هي العزة فالله يعطي ما شاء من علمه لمن شاء..
لا يستطيع أحد ان يغتصب منه ما لا يريد.
وبالمثل الكاملون اهل الرحمة والمودة، واصحاب الاخلاق الربانية لا يحبون ان يُغتصبوا، ولا ان تُنتهك اسرارهم. وانما يحبون ان تظل لهم الحرية يعطون من اسرارهم ما شاءوا لمن شاءوا، وهم بالمثل لا يفكرون في انتهاك سر أحد او اغتصابه وتلك هي المسافة المقدسة حتى لا يموت الحب .
وذلك هو الحمى الخاص لنفوسنا، لا يصح ان يطمح أحد في دخوله او فضحه، ومن يفعل هذا يقتل الحب ولا يحييه.
وحول هذا الحمى يجب ان نقيم نطاقات عديدة من الاسلاك الشائكة، ونطلق العديد من كلاب الحراسة ونبني نقاطا للإنذار المبكر.
فذلك قدس اقداس الذات الذي لا يصح ان يطلع عليه أحد الا رب الذات وخالقها، لأنه وحده الرحمن الرحيم الذي يرحم الضعيف، ولأنه وحده الغفور الكريم الذي قال لنا إنه يغفر الذنوب جميعا.
بقلم
د أسامة عنتر